رواية خيري السماك ( كامله جميع الفصول ) بقلم محمد شعبان المخوفاتي
كنت واقف وانا رجليا بتخبط في بعضها من الخوف والبرد، صوت المطرة اللي برة مع صوت الرعد، خلوا قلبي يدق بسرعة رهيبة.. اما قُدامي، فكان واقف، هو، بنفس منظره البشع.. ماكنش حاسس بوجودي، وطى ومِسكه بثبات، وبكل قوة، فتح بوقه وحط جواه العمل.. وبعد ما عمل اللي عمله، بص لي، كنت فاكر انه هيصرخ او هيزعق فيا، لكن اللي حصل انه ماعملش اي حاجة من اللي توقعتها، هو بس ابتسم، ابتسم ابتسامة باردة خلت جسمي كله يقشعر، كانت ابتسامة شيطان، مش بني أدم.. وقبل ما افكر اهرب او اروح لأي مكان، فجأة اختفى!
خدت نفسي وهديت، استعديت عشان اقرا أي أية من اللي جُم في بالي، وقبل ما اعمل كده، حسيت بإيد بتتحط على كتفي الشمال.. جسمي اتخشب، عينيا برقت، مابقتش عارف اعمل ايه، الف واشوف مين صاحب الإيد، ولا افضل ثابت واستنى قضايا!.. احساس صعب، ثواني مروا عليا سنين، بين حيرة ورعب وفزع، ومع السكوت، فضلت على الوضع ده لحد ما مرة واحدة حسيت بضربة قوية على راسي.. طب وبعد الضربة، شوفت ايه؟!.. هقولك.. هحكيلك كل حاجة من الأول للأخر، إنما قبل ما احكي، عايزك تركز في كل اللي هحكيه، في التفاصيل المرعبة والمهمة، او حتى التفاصيل اللي هتشوفها بالنسبة لك عادية وتافهة، ركز وصدقني، لأن حكايتي كل حاجة فيها مهمة، واهم وافظع ما فيها، هي التفاصيل..
**************
(راجع تااني.. راجع تااني تقول انا بهواك.. مش انتهينا خلاص.. مش انتهينا خلاص؟!)
وقت العصر، وعلى صوت شفيقة اللي كان طالع من سماعات جوة المحل، اتمشيت وسط السوق بهدوء وبخطوات مش منتظمة لحد ما وقفت قصاده.. في اللحظة دي رَفعت راسي وبصيت عاليافطة.. (خيري السماك).. سرحت في الأسم وانا بضحك ضحكتي الهبلة، ووسط نظراتي لليافطة وضحكي بشكل مش مفهوم، لقيت واحد من اللي شغالين في المحل بيقرب مني..
-اؤمر يااخ.
بصيتله، كان راجل عنده يجي خمسين سنة وشوية، ريحته وهيئته ولبسه، خلوني قربت منه وانا لسه بضحك..
-ان ان ان.. انت السماك؟!
-يافتاح ياعليم يارزاق ياكريم، هي ناقصة بلاوي، انت مين يالا وعايز ايه؟!
-ان ان ان.. انا زيكا.. زكريا... زيكا.. انا.
-وعايز ايه ياعم زيكا، بس بس.. فهمتك، شكل لبسك المبهدل وشعرك المنعكش وريحتك المعفنة، بيقولوا انك شحات وعايز حاجة لله.. استنى هنا، هخش اجيبلك سمكتين من المحل.
لما قالي كده اتعصبت عليه..
-زيكا مش شحات.. زيكا راجل، ياكل بعرق جبينه.
من عصبيتي زقيته في صدره، واول ما زقيته، لقيت تلات شباب خرجوا من المحل واتملوا حواليا، ووسط لمتهم، بص لي الراجل وهو مبرق!
-يانهار ابوك اسود ومنيل، انت بتمد ايدك عليا ياجربوع ياابن الجربوع!
-زيكا مش جربوع.. زيكا سم سم.. سماك.. زيه، زيك.
اتدخل شاب من اللي واقفين ومسكني من قفايا..
-بقى انت ياشحات يالمامة الخرابات، بتقارن نفسك بالريس شحتة!.
رد عليه شحتة وهو مبرق..
-بقى انت كل اللي هامك انه بيقارن نفسه بيا!، ده مد ايده عليا.
-لا عاش ولا كان اللي يستجرا يبصلك ياعم الناس، بينا يارجالة.
اتلموا عليا وواحد منهم كتفني من ورا وهاتك ياضرب، كنت بقاوم، بزقهم يمين وشمال، لكن من غير أي فايدة، كانوا عاملين زي التيران، بس فجأة، وفي وسط الخناقة، او بمعنى اصح يعني، وقت ما كنت بتضرب، سمعت من وسط الناس اللي اتلموا حوالينا، صوت واحدة ست.
-بببببس... اييييه.. في ايه ياض انت وهو.
اول ما قالت كده، سابوني كلهم وبصوا لها، ومع نظراتهم ليها حسيت انهم اتخرسوا، ماحدش فيهم نطق الا الريس شحتة.
-الهلفوت ده.. مد ايده عليا ياست الناس.
قربت مني وقومتني من عالأرض وهي بتبصله..
-وده يدرى بحاجة ده، انت مش شايف شكله عامل ازاي؟!
-جرى ايه يامعلمة، هو عشان مجنون وشكله مش ولابد، يضربني واسكت له!
-ماقولناش تسكتله، سايسه، داديه، خده على قد عقله.
في اللحظة دي بصيتله وانا بعيط ووجهت كلامي للست اللي عرفت انها المعلمة الكبيرة..
-هو اللي لسانه طو طو طويل.. بقوله زي زي زيكا راجل، وهو بيقولي انت شحات.
-زيكا مين؟!
-أن أن أنا.. زيكا.
-وعايز ايه ياسي زيكا ياللي مش شحات؟
-عاوز شغل.. زيكا سماك وعايز شغل.
لما قولتلها كده بصت قصادها لثواني وبعد كده بصت عالناس وزعقت فيهم..
-اييييه.. هنقلبها سهراية ولا ايه، يلا يااختي انتي وهي وهو، كله على أكل عيشه، خلاص، المولد اتفض.
ومن بعد كلامها الناس مشيوا وخدتني انا والرجالة ودخلنا المحل، قعدت على مكتب خشب، وقتها وقفنا كلنا قصادها واحنا ساكتين.. بصت لي من فوق لتحت وبعد كده بصت للرجالة..
-طاقية، عدوي، حباية، روحوا شوفوا شغلكوا.
مشيوا التلاتة وفضلت انا والريس شحتة.
-قولتلي بقى انك سماك وعايش تشتغل، مظبوط كده؟
-اي اي ايوه ياست الناس.
-طب واللي جاي وقاصد لقمة عيش، مش المفروض يطلبها بأدب!.. بوس على راس الريس شحتة وقوله حقك عليا.
قربت منه ولسه هبوس على راسه، زقني بعيد عنه بقرف...
-لا تبوس على راسي ولا تقرب مني بريحتك المعفنة دي، وبعدين جرى ايه يامعلمة، انتي هتخليه يحب على راسي وهتسيبه يمشي ولا ايه!
-لا ياشحتة مش هيمشي، انا هشغله عندنا، يمسح ويكنس ويساعد الرجالة في الشيل، واهو منها بنعمل خير، ومنها برضه يعوض مكان الواد حسونة.
-بس يامعلمة..
-مابسش، خلصنا... روح شوف حالك.
-وجب ياست الناس.. وجب.
مشي شحتة وفضلت لوحدي قصادها، حطيت وشي في الأرض وانا مش عارف اجمع الكلام، لكن قبل ما اجمع او حتى افكر، بدأت هي الكلام..
-عمك شحتة ده يبقى ريس العمال هنا، دراعي اليمين في المحل، طول غيابي، هو اللي مدورها.. يعني له احترامه وهيبته وسط كل اللي موجودين.
-حقك عليا..
-لا حق ولا باطل، خلينا في المهم، قولي ياض، انت منين بالظبط وحكايتك ايه.
بصيتلها وانا عنيا مليانة دموع، ومن وسط دموعي، ابتديت احكيلها..
-انا ززز.. زكريا.. كانوا.. كانوا بيقولوا لي يازززيكا.. امي هي اللي ربتني، عيشت انا وهي في السويس من بعد ما ابويا سابنا ونزل القاهرة، ومن.. ومن بعد ما طلقها وسابنا، ربتني لحد ما كبرت، وفي يوم، ام ام امي تعبت وحست انها خلاص، هت هت هتموت، يومها قعدتني قصادها و و و وقالتلي، ان لو جرالها حاجة، انزل لابويا القاهرة، وماتت.. ومن بعد موتها، نزلت القاهرة وروحتله، كان مع مع معلم وسماك من معلمين بولاق، بس للأسف برضه، بع بع بعد ما نزلتله بأسبوع، وو و وقعدت مع مراته التانية وولاده، البيت اللي قاعدين فيه، واللي ككككان تحت دكانته، وقع، اطربق فوق نفوخنا واحنا قاعدين.. الككككل ماتوا، ماعدا انا، انا الوحيد اللي عيشت، بس.. بس.. بس عيشت زي ما انتي شايفة كده، شحات، مخي باظ من حصل وبقيت ساعات بتهته، ومن ووووقتها، لف لف لفيت في الشوارع وسألت في كل مكان عن أي شغل، ببببس مالقتش، او يييعني مارتاحتش مع حد، إنما لما سألت ععععن شغل في محل سمك كبير، لأن انا اس اس اساسًا سماك وببيع سمك، ممممن ايام ما كنت في السويس، وووولاد الحلال دلوني عالمحل هنا.. قققالوا لي ان الشغل فيه أصلي ومممليان مكسب.
-كنت سماك وبتبيع سمك!، لا جديدة المعلومة دي، اول مرة اعرف ان السماك بيبيع سمك، جيبت الديب من ديله.. بس مش مهم نص الكلام اللي انت قولته، انا اللي يهمني اني اعرف حاجتين قبل ما اشغلك عندي، ابوك كان اسمه ايه، وبطاقتك.. بطاقتك فين؟
طلعت البطاقة من جيبي واديتهالها..
-اب اب ابويا.. اسسسمه الحقيقي مح مح محمد الغرباوي، وشهرته كانت غرغر غرباوي السماك... اما البطاقة، ف اهي، ففففي إيدك.
بصت فيها وبعد كده بصت لي..
-لا حول ولا قوة الا بالله.. ده انت معاك دبلون تجارة، يعني المفروض انك شاطر وبتعرف تحسب، اومال ايه اللي نيلك كده!
-الزمن.. الززمن يايا يايا..
-انت لسه هتبعت تجيب الكلام!، قُصره.. واااد ياحباية.
-اوامرك ياست الناس.
-خد المدهول ده وخد الفلوس دي، والمفاتيح دي كمان، خدهم وروح اشتريله لبس غير الهلاهيل اللي هو لابسها دي، وبعد كده، وديه بيت الدالي حسين، وبنفسك، تدخله الشقة اللي في الأرضي، خليه يبات فيها، بس قبل ما يبات، اتأكد الأول انه استحمى.
-ها!
-ها ايه!، اطرشيت؟!
-ماطرشتش ولا حاجة يامعلمة ستهم، بس عدم اللامؤاخذة يعني بيت الدالي حسين ده الواد حسونة كان بيقول انه بيشوف فيه..
-بطل هبل ونفذ اللي بقوله، وألا..
-من غير وألا ياست الناس، من غير وألا.. حاضر، يلا ياابني.
لما خلص الكلام ما بينهم، كنت مبتسم، بس قبل ما امشي مع حباية، مديت إيدي للمعلمة..
-مممممكن البطاقة.
-لا مش ممكن، طول ما انت هنا، البطاقة دي هتفضل معايا، ويلا من هنا، روح غَير وارتاح، ومن بكرة، تعمل حسابك ان في حد هيجي يصحيك من بدري عشان تستلم الشغل.
-حححاضر يامعلمة.. ححححاضر.
مشيت انا وحباية مسافة مش طويلة، دخلنا جوة حارة من حواري شارع المغربلين، كانت حارة اسمها (الدالي حسين)، ومنها، دخلنا جوة زقاق في زقاق لحد ما لقيت نفسي قصاد بيت من دور واحد، يعني دور اول ودور ارضي، كان بيت قديم وشكله مهجور، بوابته الحديد كانت متربة ومصدية، حتى القفل والجنزير اللي عليها كانوا مليانين صدا!
بصيت للمكان وانا مبرق وسرحان لحد ما قطع سرحاني صوت حباية..
-ايه يانجم النجوم.. هتصور الباب؟!
-لأ.. ببببس هو ده البيت؟
-اه، إنما احنا مش هندخل دلوقتي، احنا هناخدك الأول لعمك دسوقي عشان نجيبلك هدوم بدل القرف ده، يلا.. هو قريب من هنا.
مشيت معاه مسافة صغيرة، بعدها دخلنا عند محل هدوم محندق، اشترينا منه هدوم على مقاسي، وبعد ما خلصنا، روحنا البيت.. ومع وقفتنا قدامه، راح حباية ناحية القفل وفتحه بمفتاح كان معاه، ودخل..
-يارب ياساتر.. خش ياعم.. ماتخش ياابو نص لسان.
وزي ما قالي عملت، دخلت وراه وطلعنا على كام درجة سلم، بعدهم وقفنا قصاد باب شقة على الشمال، حط حباية مفتاح في الكالون وفتح، وبعد ما فتح، بص للمكان من جوة وبعد كده بص لي من فوق لتحت..
-خش اترمي جوة.. انا همشي وهقفل الباب بالقفل، سلام.
-اس اس اس...
-اس.. اس.. اسلامو عليكوا.. انت هتغني ياعم؟!.. ارغي، عاوز ايه؟
-استنى.. ان ان ان.. انا جعان.
-ماشي، شوية كده وهبعتلك حد من الرجالة بأكل.. يلا بقى ماتخوتنيش، ورايا أشغال.
بعد ما قالي كده، راح ناحية باب البيت وقفل القفل ومشي، وقتها انا فضلت واقف قصاد باب الشقة المفتوح وانا ساكت!
بصيت جوة وانا قلبي مقبوض، ماعرفش ايه السبب اللي خلاني مش مطمن، بس على الرغم من قلقي، كان لازم ادخل.. خدت نَفس عميق ودخلت الشقة وبعد كده قفلت الباب ورايا.
الشقة من جوة كان شكلها مترب وريحتها معفنة، مافيهاش عفش تقريبًا؛ يادوب كام كرسي على سفرة خشب قديمة، على مرتبة محطوطة عالأرض، اما عن مساحتها، فكانت صغيرة، يادوب، أوضتين صغيرين ومطبخ وحمام، وصالة إلى حد ما مساحتها كبيرة.
حطيت الشنطة اللي فيها الهدوم الجديدة على السفرة، ودخلت الحمام عشان اخد دش زي ما المعلمة قالتلي، بس وانا في الحمام، ووقت ما كنت سايب الباب مفتوح، حسيت بحركة في الصالة!
شيلت الصابون من على عيني وبصيت برة الحمام، مالقتش حد!.. بلعت ريقي وقولت يمكن بيتهيئلي، وعشان كده كملت الدش، بس وانا بكمل، سمعت صوت حد بيزعق.. عارف انت لما تحس انك سمعت صوت زعيق او صرخة في مكان هادي!، اهو ده بالظبط اللي سمعته، ومع سماعي للصرخة الغريبة دي، بصيت ناحية الصالة من تاني، لكن المرة دي بصيت بسرعة، ومع بصتي، لمحت زي طيف بيجري في الشقة!
خرجت من تحت الماية وطلعت من الحمام، فضلت اتلفت حواليا شمال ويمين، مافيش حد!
وقتها حاولت اهدي نفسي وقولت انها تهيؤات، وعشان اطمن اكتر، لبست الهدوم النضيفة اللي جيبتها انا وحباية، وبعد كده فتحت باب الشقة وخدت كرسي وفضلت قاعد قصاد الباب المفتوح، كنت ساكت، مابعملش حاجة، الوقت كان ممل وبطئ، بس وقت ما كنت سرحان في الحيطة اللي برة الشقة، سمعت من ورايا صوت همهمة، التفتت وبصيت ناحية مصدر الصوت عشان اتفاجئ بحاجة غريبة.. المرتبة السفنج اللي كانت محطوطة على الأرض، لقتها واقفة، زي ما يكون حد شالها من مكانها وسندها على الحيطة، استغفرت ربنا وقومت رجعتها مكانها، وقبل ما ارجع واقعد على الكرسي من تاني، سمعت صوت باب البيت وهو بيتفتح، ومن بعد صوت فتح الباب، سمعت صوت خطوات بتقرب...
-انت يازفت الطين ياللي هنا.
كان صوت الريس شحتة، قربت من باب الشقة المفتوح، وبمجرد ما قربت، لقيته قدامي.
-إش إش إش.. والله ونضفت يازبالة الشحاتين.
نفخت وانا ببصله بقرف، وقبل ما اتكلم او اقوله اي حاجة، حط ايده على كتفي ودخل الشقة..
-ماتنفخش زي نفاخين الجاز كده، انا مش هاكلك ولا جاي اضربك، خد.. ده انا جايبلك أكل، اصلك صعبت عليا.
حط الشنطة اللي كانت في ايده على السفرة وطلع منها أكل، وبعد ما فرشه، بصيتله بنظرة ضعف وقربت منه..
-ححححقك عليا ياياياريس.
.
-مش مستاهلة ياابني، انا مش زعلان، انا بس اللي كنت مخنوق النهاردة بسبب دوشة الزباين ومش مستحمل كلمة من حد، وان جيت للحق، المعلمة ستهم معاها حق، انت شكلك غلبان وكنت ابن ناس والزمن جار عليك، وعشان كده، انا مش زعلان منك ومسامحك، يلا بقى، اقعد عشان تاكل.
قعدت وبدأت آكل بشراهة، ووقت ما كنت باكل، بص لي عم شحتة وحط ايده على كتفي..
-طب هستأذن انا واسيبك تاكل، بس قبل ما امشي عاوز اديلك حاجة.
طلع من جيبه حاجة وحطها قصادي على السفرة..
-التلافون المحمول ده، خليه معاك، هو بزراير ومش جديد يعني، بس اهو، هينفعك في حاجات كتير، اولهم اني لما اعوزك، اتصل بيك واعرف اجيبك، وتانيهم، هو المنبه اللي فيه، انا ظبطهولك على الساعة ٨ الصبح عشان لو نايم يصحيك.
مسكت التليفون وانا مبسوط، كنت عاوز اشكره واخليه يشكرلي المعلمة ستهم على كل اللي عملوه معايا، لكن قبل ما اتكلم، راح ناحية باب الشقة وهو بيكمل كلامه..
-واه، ماتخرجش من هنا ولا تحاول، المنطقة لبش وانت عيل غلبان، اقعد في الشقة ونام وارتاح، ولو احتاجت لحاجة تسليك، هتلاقي راديو في المطبخ، واه، التلافون كمان فيه كارت ميموري وعليه اغاني، ده غير الخط اللي القديم بتاعي اللي انا حاطه فيه، يلا، فوتك بعافية، اشوفك بكرة الصبح.
بعد ما خلص كلامه، خرج الريس شحتة من غير حتى ما اشكره، سابني قاعد لوحدي من تاني، بس المرة دي بقى، كملت أكل، وبعد ما خلصت، دخلت المطبخ عشان اشرب شوية ماية، لكن.. لكن ساعتها ابتسمت زي الاهبل لما لقيت كاتل وشاي وسكر وكوبايتين، عملت كوباية شاي وخدت الراديو اللي كان جنب الكاتل وطلعت من المطبخ، قفلت باب الشقة وقعد على المرتبة وشغلت الراديو وشربت كوباية الشاي، كنت متكيف ومبسوط اوي من الاغنية اللي شغالة، كانت اغنية شعبي، سرحت معاها وفضلت باصص للسقف لحد ما حسيت ان راسي بتتقل وعيني ابتدت تغفل.
فوقت من نومي على صوت سقفة!، فتحت عيني بصعوبة وبصيت ناحية أوضة من الأوض عشان الاقي بابها مفتوح وقاعد فيها حد غريب، كان قاعد راجل وقصاده منقد فحم، المنقد مان منور بسبب ان كانت طالعة منه نار عالية اوي، اما الراجل نفسه بقى، واللي كان قاعد على الأرض ولابس حاجة زي طرحة او شال مغطية راسه بوشه، كان عمال يسقف بإيديه الاتنين ناحية النار، ومع شكله الغريب وحركاته الأغرب، فجأة كل حاجة سكتت، النار هديت والراجل سكت خالص، ركزت معاه اكتر وهو قاعد، ملامحه ماكانتش باينة، يادوب بس اللي كان باين منه هي هيئته، كان ظاهر وكأنه جسم اسود متكوم على نفسه!
اتعدلت في قعدتي، ولسه هقوم من مكاني عشان اسأله انت مين ودخلت هنا ازاي، فجأة لقيته قام وقف ورفع إيده قصاده وصرخ بعلو صوته، ومع صرخته، باب الأوضة فضل يفتح ويقفل بسرعة غريبة، زي ما يكون بيترزع، ووقت ما الباب الخشب كان بيتفتح ويتقفل، الراجل اختفى، ومع اختفاءه، الباب اتفتح على أخره والأوضة بقت فاضية!
بلعت ريقي وحاولت اصلب طولي، وبالعافية، وقفت في مكاني وبصيت ناحية الأوضة بتركيز، ماكنش في حد، فركت عينيا بإيديا الأتنين وانا بحاول افوق نفسي، أكيد كان بيتهيألي، اه بيتهيألي، ماهو لو اللي شوفته حقيقي، الراجل والمنقد فحم راحوا فين؟!.. وما بين شكي في اللي شوفته، وعدم تصديقي، سمعت صوت أنين جاي من الأوضة التانية، الأوضة اللي بابها كان مقفول!
رجعت لورا وانا مُتحفز، صوت الأنين ابتدا يزيد ويبقى أعلى، خلى الخوف زاد جوايا، قلقي وصل لأقصى مداه، ومن غير أي مُقدمات، باب الأوضة اتفتح بكل قوة عشان اشوف جواها منظر أغرب!
يتبع